وقع رئيس وزراء ارمينيا نيكول باشينيان مع رئيس اذربايجان حيدر علييف الاسبوع الماضي على اتفاق سلام في البيت الابيض بواشنطن رعاه الرئيس الامريكي دونالد ترامب، ومن المنتظر ان يؤمن هذا الاتفاق السلام بين ارمينيا واذربيجان اللتين دخلتا في حروب وتوترات امنية وسياسية منذ العام 1918 بمشاركة اطراف دولية كبريطانيا والاتحاد السوفيتي والخلافة العثمانية.
وحسب الرواية الارمينية فإن الجمهورية الأرمنية ترغب في أن تشمل منطقة ناخيتشيفا المناطق الأساسية من البلد “شرق أرمينيا” وبالتحديد محافظة يريفان كما ترغب في تملك الأجزاء الشرقية والجنوبية من محافظة إليزابيثبول، وفي المقابل اذربيجان ترفض كل هذه المعطيات وتُؤكد على سيادتها ووحدة أراضيها على كل تلك المناطق.
خلال العامين الماضيين دخلت اذربيجان في حرب مع ارمينيا لاستعادة اقليم قرباغ المتنازع عليه؛ واستطاعت بمساعدة تركيا احتلال الاقليم وطرد السكان الارمن حيث تم عقد اتفاق لوقف اطلاق النار والاعتراف بالسيادة الاذربيجانية على اقليم قرباغ .
بعد حرب اوكرانيا دخلت الولايات المتحدة وتحديدا بعد دخول الرئيس ترامب للبيت الابيض على خط الازمة ووقف اطلاق النار الهش بين باكو و يريفان حيث بذل وزير الخارجية الامريكي ماركو روبيو بمساعدة مندوب الرئيس الامريكي للشرق الاوسط استيف ويتكوف جهودا للتوصل إلى هذا الاتفاق بعدما سكتت موسكو على هذه الترتيبات التي ربما تدخل ايضا في الازمة الاوكرانية والمباحثات المنتظرة التي يجريها الرئيسين الامريكي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين في ولاية الاسكا الامريكية .
الاتفاق نص على مساعدة الولايات المتحدة باستثمارات وتعاون اقتصادي مع البلدين وادارة الطريق الواصل بين تركيا شمالا إلى العاصمة الآذرية باكو مرورا بــ "ممر زنكروز" الذي يقع في الاراضي الارمنية لكنه بموجب الاتفاق سيخضع لإدارة امريكية لمدة 99 عاما.
واذا ما عرفنا ان هذا الممر يكون على الحدود الايرانية الشرقية فهذا يعني أن الولايات المتحدة ستكون جارة ولمدة 99 عاما مع ايران وعلى حدودها الشمالية الشرقية!؛ إضافة إلى أن جمهورية اذربيجان اقتطعت من الاراضي الايرانية عام 1918 بعد حرب ايران مع الامبراطورية الروسية، حيث ما زال القوميون الآذريون ينظرون لها “اذربيجان الشمالية” مقابل "اذربيجان الجنوبية" التي ما زالت ضمن السيادة الايرانية!.هذا المقاربة السريعة كانت مهمة للدخول في تداعيات مثل هذا الاتفاق الذي رعته واشنطن على الوضع الجيوسياسي في المنطقة، التي تتواجد فيها إضافة إلى ارمينيا واذربيجان كلا من تركيا وايران وبحر قزوين؛
والان دخلت الولايات المتحدة كطرف في الاتفاق لتثبته بعد أن أصبح اسم الممر باسم الرئيس ترامب بدلا من “زنكزور” تقديرا لجهود الرئيس الامريكي المتعطش لنيل جائزة نوبل للسلام .
واذا كانت ارمينيا واذربيجان معنيان بهذا الاتفاق لوقوف الولايات المتحدة معهما في الاقتصاد والسياسية والامن فان تركيا القريبة من الولايات المتحدة وهي عضوة في حلف شمال الاطلسي الناتو وبالتالي هي المستفيد من هذا الممر الذي يربطها بآسيا الوسطی؛
لكن ايران تعتبر في هذا الاتفاق الخاصرة الرخوة، التي تتأثر بمثل هذه التطورات خصوصا اذا عرفنا ان اسرائيل ليست بعيدة عن هذه التطورات على خلفية العلاقات الدبلوماسية، التي تمتلكها مع أذربيجان والتعاون المشترك في مجالات مختلفة، بما في ذلك مكافحة الإرهاب
كما أن هناك تبادلاً تجارياً وسياحياً بينهما؛ واللافت أن اسرائيل وقفت لصالح اذربيجان في قضية “قرباغ” على حساب أرمينيا التي تمتلك هي الأخری علاقات دبلوماسية مع اسرائيل، لكنها تعرضت لتوترات بسبب الموقف من "قرباغ".
واستنادا إلى ذلك فان “ممر ترامب” يشكل تحديا جيوسياسيا وجيوستراتيجيا للجمهورية الاسلامية، بسبب السيطرة والتواجد الامريكي على هذا الممر الذي يبدأ من الاراضي التركية، وصولا للعاصمة باكو القريبة من بحر قزوين مرورا بالأراضي الارمينية الجنوبية بعد ان صار ممرا امريكيا بالشكل والمضمون والاسم، لأنه لم يعد أرضا ارمينية؛ بل لأنه اعتبر ركيزة اساسية في اتفاق السلام، الذي سيخضع لنوع من السيادة المحدودة او الاشراف الدولي والاقليمي باعتباره ممرا عابرا للحدود معفيا من القوانين والجمارك ومراقبة الحدود الارمنية، بحيث يمكن للمركبات والقطارات المرور دون توقف او تفتيش على غرار “الممر الامن” في عدد من مناطق النزاع، التي انشئت في بولندا وبرلين وغيرها من الممرات الدولية، التي خضعت لنفوذ جهة ثالثة امتلكت اهداف جيوسياسية وغالبا ما كانت في اطار المنافسات الامنية الاوسع لحلف الناتو او تكتلات النفوذ .
هذا التطور الذي حدث ويحدث في القوقاز يأتي متزامنا لما يحدث في الشرق الاوسط من اعادة الخارطة الامنية والسياسية والعسكرية والاقتصادية حيث يتم ابعاد ايران عن خريطة الطاقة الجغرافية في المنطقة اضافة إلى استكمال "حزام الاحتواء" لإيران.
اقتصاديا؛ يساههم “ممر ترامب” بخفض عائدات النقل لان الممر يتجاوز الاراضي الايرانية للربط بين تركيا ودول القوقاز، كما أنه يحد من تواصل ايران مع جيرانها الاقليميين في الوقت، الذي يستقطب دول محاذية لإيران لحشدها في محاور معادية لإيران. لكن المسألة الامنية والعسكرية تشكل تحديا خطيرا لإيران؛ لان “ممر ترامب” سوف يكون متاحا للتواجد العسكري الامريكي خصوصا لقوات حلف الناتو المتواجدة اصلا في تركيا العضوة في هذا الحلف .
صحيح إن طهران رحبت بالاتفاق لأنه ينهي خلافا تاريخيا مزمنا على حدودها الشمالية الشرقية، لكنه يشكل تحد كبير على ضوء المتغيرات التي تعيشها ايران في الشرق الاوسط خصوصا في ظل التمدد الاسرائيلي المدعوم امريكيا.
المصدر: وكالة الأنباء العراقية