05A2EDD17376135DD5B5E7216D8C98DB
16 Jun
16Jun

مع اشتداد المواجهة الإقليمية بين إيران وإسرائيل، وتحولها من حرب ظلّ طويلة إلى صراع عسكري مكشوف بدأ يطرق أبواب المنطقة بقوة، يجد العراق نفسه مرة أخرى في قلب معادلة شديدة التعقيد، ليس بوصفه طرفا مباشرا في الحرب، بل كساحة محتملة لانعكاسات الصراع، وأحيانا كساحة بديلة لتصفية الحسابات بين خصمين تاريخيين.

ففي الوقت الذي تشتعل فيه الجبهات من جنوب لبنان إلى الجولان وغزة، وتتصاعد وتيرة التهديدات المتبادلة بين طهران وتل أبيب، يصبح العراق ـبما يحمله من خصوصية جغرافية وديموغرافية وسياسيةـ أكثر عرضة من أي وقت مضى لتأثيرات هذا التصعيد. فوجود فصائل مسلحة موالية لإيران على أرضه، إلى جانب القواعد والمصالح الأمريكية، يجعل منه نقطة ارتكاز إستراتيجية في أي تصعيد قادم.

وفي ظل هذا السياق المتأجج، عقد معهد “تشاتام هاوس” البريطاني جلسة مغلقة وحساسة، شارك فيها نخبة من الباحثين والدبلوماسيين الدوليين، لمناقشة موقع العراق من الصراع الحالي، ودوره في التوازنات الإقليمية، وخياراته المحدودة بين الضغط الأمريكي، والانخراط الإيراني، والانفتاح العربي.الجلسة، التي نُظمت قبيل تصاعد الاشتباك الإيراني الإسرائيلي، تبدو اليوم أكثر أهمية من أي وقت مضى، إذ تشكّل وثيقة تحليلية استشرافية تضع العراق في قلب المشهد، لا كدولة هامشية، بل كـ”ميزان حساس” قد ترجّحه التطورات، أو تنكسر على أرضه موازين المنطقة.

في هذا التقرير،” أبرز ما تم طرحه في الجلسة من رؤى وتحليلات، تمس جوهر التحدي العراقي بين الجغرافيا والتاريخ، وبين مصالحه الوطنية، وصراعات الآخرين فوق ترابه.شارك في الجلسة التي حضرتها الصحيفة، عدد من أبرز الباحثين والدبلوماسيين وصناع القرار السابقين، من بينهم دينيس ناتالي، العضو السابق في مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي؛ والدكتور حميد رضا عزيزي، الباحث في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية؛ والسفير البريطاني السابق في العراق ستيفن هيكي؛ والباحث سجاد جياد، مدير عمل السياسة الشيعية في مؤسسة سينشري الدولية، إلى جانب الدكتور ريناد منصور، مدير مبادرة العراق في “تشاتام هاوس”.

العراق ليس أولوية لترامب

طرحت الباحثة الأمريكية دينيس ناتالي، رؤية واضحة للسياسة الأمريكية في العراق، اعتبرت فيها أن إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب -والتي لا تزال رؤيتها تؤثر في دوائر المحافظين الأمريكيين- لم تعد تعتبر العراق أولوية في سياستها الخارجية، وأن نظرها إليه يتم بشكل غير مباشر عبر عدستها تجاه إيران.وقالت ناتالي، إن واشنطن لا ترى فائدة من استثمار استراتيجي عميق في بغداد، خاصة في ظل ما تعتبره “ضعفا في بنية الدولة العراقية”، وإن الجهود الأمريكية باتت تركز على اختبار مدى استعداد بغداد لتطبيق العقوبات المفروضة على طهران، لا أكثر.وأضافت: “التمويل الأمريكي لدعم مؤسسات المجتمع المدني والبنية الإدارية في العراق تم تقليصه بشكل حاد، ويُتوقع أن يُترك لاحقا للجهات المانحة الخاصة أو الدولية”. كما حذّرت من أن فشل المفاوضات الجارية مع إيران قد يجرّ العراق إلى مزيد من الضغط والاضطراب.


عراق قوي.. تهديد استراتيجي لإيران

من جانبه، قدّم الباحث الإيراني حميد رضا عزيزي، تحليلا لموقف القيادة الإيرانية تجاه العراق، مؤكدا أن طهران تنظر بعين القلق إلى أي تعزيز للعراق كدولة قوية ذات سيادة مستقلة عن التأثيرات الإقليمية.وأوضح عزيزي، أن إيران لا تعارض حكومة شيعية في بغداد، لكنها تفضل أن يكون العراق ضعيفا، متشرذما سياسيا، وتحت تأثير القوى السياسية الموالية لها.وأضاف: “طهران ترى في تنمية العراق ومشاريعه الاقتصادية الكبرى، خاصة تلك المرتبطة بالحزام والطريق أو التواصل مع دول الخليج، تهديدا مباشرا لمكانتها الجيوسياسية”.كما أشار إلى أن الدعم الإيراني للفصائل المسلحة لا يزال قائما، لكنّه أصبح أكثر مؤسساتية وأقل عسكريا، وسط ضغوط داخلية تعيشها إيران، ورغبة في عدم إثارة المزيد من المواجهة الدولية.بريطانيا متفائلة بحذرالسفير البريطاني السابق لدى بغداد، ستيفن هيكي، قدّم طرحا متفائلا وحذرا في الوقت ذاته، فقد أشاد بما وصفه “السياسة العاقلة” التي اتبعتها الحكومات العراقية في السنوات الأخيرة، والتي جنّبت البلاد الانخراط في الحرب بالوكالة بين الولايات المتحدة وإيران.لكنه حذّر في الوقت نفسه من أن العام المقبل قد يحمل تصعيدا جديدا في المنطقة، وأن العراق قد يجد نفسه مرغما على الانحياز لأحد المحاور إذا لم يعالج ملفاته الداخلية، وعلى رأسها “الفساد، تغير المناخ، وإصلاح المنظومة الأمنية، خاصة السيطرة على الفصائل المسلحة”.


كما شدد هيكي، على أن فرص العراق في الحفاظ على الاستقرار ترتبط بتعزيز علاقاته مع جيرانه الخليجيين، قائلا: “الربط الاقتصادي مع دول الخليج، وخاصة السعودية والإمارات وقطر، قد يشكل طوق النجاة الحقيقي لبغداد”.واختتم هيكي حديثه بالتأكيد على احترام سيادة العراق وحقه في تحديد مساره السياسي، مشدداً على أهمية احترام القانون الدولي بوصفه شرطاً أساسياً لحل النزاعات الإقليمية.

فرصة عراقية.. أم لحظة الانفجار؟

بدوره، اعتبر الباحث سجاد جياد أن العراق استطاع على مدى السنوات الثلاث الماضية أن ينأى بنفسه عن صراعات المحاور، ويجنب أراضيه أن تكون ساحة تصفية حسابات بين طهران وواشنطن.لكنه نبّه إلى هشاشة هذا الإنجاز، قائلا: “العراق يقف على خط رفيع، فنجاح المفاوضات الأمريكية الإيرانية يمنحه فسحة من التوازن، لكن فشلها قد يدخله في أزمة خانقة، أمنيا واقتصاديا وسياسيا”.واعتبر جياد، أن هناك نافذة تاريخية لإعادة ضبط العلاقة مع إيران، خصوصا مع تراجع دور الحرس الثوري الإيراني في المشهد العراقي، وتزايد اعتماد طهران على وزاراتها الرسمية وقنواتها الدبلوماسية، لكنه شدد على أن هذا يتطلب شجاعة سياسية من بغداد، وإرادة حقيقية في بناء شراكات متوازنة مع الأطراف الإقليمية.

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2025 جميع الحقوق محفوظة - وكالة انباء النافذة