وسط تصاعد المواجهة بين إيران وإسرائيل، عاد الحديث بقوة عن سيناريو قد يقلب الموازين، يتمثل في احتمال استهداف المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، في ضوء تلميحات مباشرة من مسؤولين أميركيين وإسرائيليين، وتحذيرات من تداعيات زلزال سياسي وأمني في حال تحقق هذا السيناريو.
ويعد خامنئي حجر الزاوية في هيكلية السلطة الإيرانية، إذ يتركز حوله القرار السياسي والديني والعسكري، ورغم تعرض قيادات إيرانية لهجمات واغتيالات على مدار العقود والأيام الماضية، إلا أن موقع المرشد بقي بمنأى عن أي استهداف مباشر، وهو ما يجعل أي محاولة للمساس به بمثابة مقامرة قد تقلب التوازنات الإقليمية وتطلق موجات من الفوضى يصعب احتواؤها.
وفي هذا السياق، يؤكد الخبير الأمني سرمد البياتي، خلال حديث”، أن “جميع السيناريوهات تبقى مطروحة مع تزايد التصعيد، بما فيها احتمال استهداف خامنئي أو حتى تغيير النظام، خاصة مع تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب التي حملت نبرة تهديد واضحة”.ويضيف البياتي، أن “إيران لديها آليات بديلة لسد الفراغ، عبر مجلس الخبراء (الشورى)، الذي يتولى انتخاب مرشد بديل إذا شغر المنصب، لكن ذلك لا يعني أن المسألة ستكون سهلة، فغياب رأس الهرم له تبعات لا يمكن حصرها في الداخل والخارج”.
وتعتبر إسرائيل ملف الاغتيالات أحد أذرعها الأمنية لإضعاف خصومها، إذ نفذت عمليات سابقة ضد علماء نوويين وقادة عسكريين إيرانيين، ويرى مختصون أن أي ضربة على مستوى القيادة العليا قد تزيد من تعاطف الحلفاء مع طهران أو تسرع خطوات الانتقام.من جانبه، يبين الباحث في الشأن السياسي رمضان البدران، خلال حديث لـ”العالم الجديد” أن “الحرب بين إيران وإسرائيل دخلت مرحلة خطرة، كما أن استهداف خامنئي سيخلق فجوة كبيرة داخل إيران، لكنه قد لا يغير كثيراً في مسار الحرب الحالية، بل إن تداعيات ما بعد الحرب هي الأشد خطورة على النظام”.
ويوضح البدران أن “انهيار النظام في إيران مرتبط بسيناريو الفوضى بعد الحرب، وليس بالضربة المباشرة، إذ لم يسبق أن أسقط اغتيال رأس السلطة نظاماً راسخاً من دون تهيئة داخلية”.ويضم مجلس الخبراء حوالي 90 رجل دين، ينتخبهم الشعب ويشرف عليهم مجلس صيانة الدستور، وتوكل له مهمة اختيار مرشد بديل في حال وفاة أو عزل القائد الأعلى، وهو ما يمنح النظام مرونة في سد الفراغ، رغم صعوبة التوقيت.
وبحسب تقارير نشرتها وكالة رويترز في 2024، ينظر إلى مجتبى خامنئي، وهو رجل دين من الرتبة المتوسطة، كشخصية ذات نفوذ واسع داخل مراكز القرار الإيرانية، رغم ابتعاده عن الظهور العلني، وترجّح مصادر مطلعة أن تأثيره يمتد إلى الحرس الثوري وبعض التيارات الدينية والسياسية، ما جعله يُطرح في السابق إلى جانب الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي كأحد أبرز المرشحين لخلافة المرشد.بدوره، يرى المحلل السياسي علي البيدر، خلال حديث لـ”العالم الجديد” أن “النظام الإيراني يمتلك بنية قابلة للتكيف، ورغم رمزية خامنئي فإن غيابه قد يربك القيادة مرحلياً لكنه لا يسقط النظام”.
ويتابع أن “استهداف شخصية بهذا الثقل قد يزيد من التعاطف الشعبي داخل إيران ومع حلفائها بالخارج، خاصة في حال توظيفه خطابياً ضد إسرائيل وأميركا”.وفي تطور بالخطاب الأمريكي، كشف الرئيس الأميركي دونالد ترامب في منشور عبر “تروث سوشيال” عن “معرفة مواقع تحرك المرشد الإيراني”، ملمحاً إلى قدرات مراقبة دقيقة، فيما شدد على أن “واشنطن لن تتساهل مع استهداف قواتها أو مدنييها، وصبرها بدأ ينفد”.
أما رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو فقد أكد أن “اغتيال خامنئي كفيل بإنهاء الصراع مع إيران”، داعياً واشنطن لدعم تل أبيب في “القضاء التام على البرنامج النووي الإيراني”.وأثارت هذه التصريحات انزعاج الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي رفض “مجرد مناقشة” سيناريو اغتيال خامنئي، مؤكداً أن “التعاون مع طهران لا يشمل جوانب عسكرية مباشرة وفق اتفاقية الشراكة الموقعة مطلع العام الجاري”.
من جانبه، يؤكد المحلل السياسي الإيراني محمد علي، خلال حديث لـ”العالم الجديد” أن “استهداف المرشد الأعلى الإيراني يظل واردا نظريا، في ظل التعنت الأميركي والإسرائيلي لكن مكانه لا يعلمه سوى عدد محدود جدا داخل القيادة، ما يجعل تنفيذ هذه الخطوة معقدا للغاية”.
ويبين أن “إيران متمسكة بمواقفها بخصوص الملف النووي وترفض تقديم تنازلات، وتفضل المراوغة السياسية على القبول بشروط الغرب، وهو ما يزيد من فرضية بقاء التصعيد مفتوحا”، لافتًا إلى أن “طهران تحتفظ بأوراق استراتيجية قوية، في مقدمتها إغلاق مضيق هرمز الذي يمر عبره نحو 40 بالمئة من صادرات النفط العالمية، إضافة إلى خلايا نائمة داخل إسرائيل يمكن تحريكها لإحداث فوضى”.