عادت ظاهرة نفوق الأسماك الجماعي لتضرب مجددًا أحد أهوار جنوب العراق، حيث وثق ناشطون ومواطنون في النجف مشاهد صادمة لأسماك نافقة تغطي مياه هور ابن نجم؛ ما أثار موجة غضب وتحذيرات من انهيار بيئي جديد.وأعلنت دائرة بيئة النجف، أنها شكلت فريقًا فنيًّا مشتركًا للتحقيق في أسباب الحادثة، بالتعاون مع الجهات ذات العلاقة، مؤكدة أن الفريق بدأ بأخذ عينات من المياه لإجراء الفحوصات المختبرية، وتحديد الأسباب الفعلية لنفوق الأسماك.
وأثيرت تساؤلات واسعة عن الأسباب الحقيقية التي تقف خلف هذه الظاهرة، ولا سيما مع تكرارها في السنوات الأخيرة ببضع مناطق مائية في العراق، في وقت يشهد فيه البلد أزمة مستمرة في الموارد المائية نتيجة التغيرات المناخية، وقلة الأمطار، وانخفاض منسوب الأنهار القادمة من تركيا وإيران.بدوره، أكد الخبير البيئي أحمد صالح أن "شبح الجفاف بدأ مع مطلع حزيران 2025 يضرب مناطق عدة في العراق، وظهرت أولى علامات نفوق الأسماك من جديد، كما حصل في أعوام 2017 و2021 و2023، وأواخر 2024".
جنّات العراق" مهددة
وأضاف صالح أن "الحالة الراهنة بدأت في هور ابن نجم بالنجف، لكن هناك أهوارًا أخرى مهددة، أبرزها هور الحويزة بجزئيه العظيم، وبركة أم النعاج في قضاءي الكحلاء والمشرح، التي لم تسجّل حتى الآن حالات نفوق، لكننا على أعتاب ذلك".وأشار إلى أن "الخزين الاستراتيجي للمياه في وضع متدهور، والحكومة لن تكون قادرة على تأمين كميات كافية، رغم التوصل إلى اتفاق مع تركيا يسمح بتدفق نهر دجلة نحو الأراضي العراقية لمدة شهر فقط".ولم تكن هذه المرة الأولى التي تَنفق فيها الأسماك في العراق، إذ شهدت البلاد خلال السنوات الماضية حوادث مماثلة في محافظات عدة، مثل: ذي قار، وبابل، والديوانية، وسط اتهامات بضعف الرقابة وتجاهل الجهات المعنية لتحذيرات الخبراء البيئيين؛ ما فاقم من تدهور الواقع المائي والبيئي في البلاد.
ويأتي هذا التطور البيئي في وقت يُعد من بين أكثر المواسم حرارة وجفافًا التي يشهدها العراق خلال السنوات الأخيرة، بالتزامن مع تصاعد موجات الغبار وانخفاض معدلات الأمطار، إذ يرى مراقبون أن هذه الظروف الاستثنائية تنذر بصيف قاس يفاقم من أزمة الأهوار، ويهدد ما تبقى من الحياة المائية في البلاد.
حرب التسميم
من جهته، قال مسؤول في وزارة البيئة العراقية إن "المؤشرات الأولية ترجح أن يكون نفوق الأسماك في هور ابن نجم ناجمًا عن فعل متعمد، وليس نتيجة طبيعية فقط"، موضحًا أن "المنطقة الوحيدة التي سُجلت فيها حالات نفوق هي (أبو حِلان)، رغم أن مناسيب المياه في المناطق المجاورة كانت متقاربة، ولم تسجّل فيها أي حالة مماثلة".وأشار المسؤول، الذي طلب حجب اسمه، أن "الهور يعتمد على محطة ضخ تعمل بالمولدات نتيجة عدم توفر الكهرباء، بسبب نقص السيولة المالية اللازمة لتمويل المشروع الكهربائي في المنطقة"، مبينًا أن "نوعية المياه لم تظهر مؤشرات تدهور حاد قبل الحادثة؛ ما يعزز احتمال إدخال مواد سامة بشكل مباشر إلى مجرى المياه".وأكد أن "الوزارة تتابع الملف ميدانيًّا وبالتنسيق مع فرق متخصصة من وزارة الموارد المائية، والبيطرة، والشرطة البيئية، لتحليل العينات والتوصل إلى نتائج دقيقة".ويرى خبراء من أن تكرار هذه الحوادث لا يهدد فقط التوازن البيئي، بل ينعكس مباشرة على مصادر الرزق لمئات العائلات التي تعتمد على الصيد في الأهوار، في ظل غياب بدائل اقتصادية وتعويضات حكومية، كما أن فقدان الثروة السمكية بهذه الوتيرة يعمق أزمة الأمن الغذائي في عدد من المحافظات، خصوصًا في جنوب البلاد.